الجمعة، 21 أبريل 2017

الفطنه

∷ ‏‫الفطنه



صفة الفطانة في النبي سليمان عليهـ السلام 
النبوة تشريفٌ سامٍ، وتكليفٌ شاقٌّ ومرموقٌ، ومنزلةٌ كُبرى، وفضلٌ عظيم يهبه الله تعالى لمن ارتضاهم من عباده فالفطنة هي ذكاء العقل وسرعة الإدراك وقوّة البديهة والحجة، فالرّسل أرسلوا ليحاججوا الناس ولإرشادهم إلى الطريق المستقيم، وذلك لا يقع إلا من خلال حواراتٍ ومناظراتٍ لإبطال الباطل وبيان عواره للناس، وإقامة الحجّة على الكفار .

لايوجد انسان يستطيع أن يقود إلا أن يكون على مستوى عالٍ من الذكاء ، ولو ان الانسان محدود لايستطيع أن يقود نفسه قبل أن يقود الآخرين ، أي يكون له تأثير على الآخرين بإمكانات محدودة وهذا شيء مستحيل 
 أي ماكان الله عزوجل ليرسل رسولاً إلى خلقه لايتصف بالفطانة  ، فالفطانة صفة لازمه في الإنبياء ومادام الله سبحانه وتعالى قد اصطفاهم ، ومادام الله سبحانه وتعالى قد كلفهم في تبليغ رسالته ، وبما أن الله سبحانه وتعالى قد كلفهم بنشر دينه فلا بد أن يعطيهم مع هذا التكليف مايعينهم على نشر الرسالة 
فتختلف  الفطنة الموهوبه من الله يؤتيها من يشاء من عباده . 

و بين الفطنة مكتسبة تجريبية تتحصل للمرء باجتهاده، وكثرة تجاربه، ومعاشرته لأهل العلم والذَّكاء والاستفادة منهم 
في الأمثال والحِكَم
- قال معاوية رضي الله عنه: (العقل مِكْيالٌ، ثلثه فِطْنَةٌ، وثُلثاه تغافلٌ) .
ف صفة الفطانة  تدلُّ العبد على حكم الله
وتدعوهـ إلى فعل صنائع المعروف، وتقديم الفضل إلى محتاجيه .

فهناك الوسائل المعينة على اكتساب الفِطْنَة
1- الإيمان
2- إعمال الفكر ومحاولة الفهم
4- محاسبة النفس

كان يتسم نبي الله سليمان عليه السلام  بالفطانة والذكاء وحسن التدبير والسياسة، وقد منحه الله تبارك وتعالى منذ صباه الذكاء والحكمة وحسن القضاء، فقد كان أبوه في أيام ملكه يشاوره في أموره مع حداثة سنه لحكمته وفطانته. 
 والحكمة: هو القدرة على أن يصدر أحكاما صائبة على الأمور والقضاء بين الناس بما أراه الله من الحق والعدل)، قال تعالى في سورة الأنبياء: ﴿ ففهمناها سليمان وَكلا آَتينا حكما وعلما ﴾. أي أن الله كما أعطى لداود ﴿ حكما وعلما ﴾ أعطى لسليمان مثله وزاده فهماً.

 ومما يدل أيضًا على حكمة وفطانة نبي الله سليمان عليه السلام وجودة رأيه في الحكم والقضاء ما جاء في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “بينما امرأتان معهما ابناهما إذ عدا الذئب فأخذ ابن إحداهما فتنازعتا في الآخر، فقالت الكبرى: إنما ذهب بابنك، وقالت الصغرى: بل إنما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود فحكم به للكبرى فخرجتا على سليمان فقال: ائتوني بسكين أشقه بينكما نصفين لكل واحدة منكما نصفه فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمك الله هو ابنها فقضى به لها” رواه البخاري ومسلم. ولما قال سيدنا سليمان عن الغلام: “أشقه” كان ذلك منه على وجه العرض والاستفهام وهو يعتقد أنها تقول “لا”، ويكفر من ظن أنه أمر بشقه نصفين.

قال ابن الجوزي: (أمَّا داود عليه السَّلام فرأى استواءهما في اليد، فقدم الكبرى لأجل السِّنِّ، وأما سليمان عليه السَّلام فرأى الأمر محتملًا، فاستنبط، فأَحْسَن، فكان أَحَدَّ فِطْنَةً من داود، وكلاهما حَكَم بالاجتهاد، لأنَّه لو كان داود حكم بالنَّص، لم يسع سليمان أن يحكم بخلافه، ولو كان ما حَكَم به نصًّا، لم يَخْفَ على داود.

وهذا الحديث يدل على أنَّ الفِطْنَة والفهم موهبة لا بمقدار السِّنِّ ) 
ومما يدل أيضًا على حكمة وفطانة نبي الله سليمان عليه السلام .. 
أراد سليمان أن يختبر ذكاء بلقيس بأن يظهر لها فضل الله عليه وملكه الذي لا ينبغي لأحد أن يملك مثله، بأن يحضر لها كرسي عرشها من مملكتها إلى مملكته ويجلسها فوقه، فقال لجنوده: (قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ)[النمل:38]، فأجاب عفريت من الجن: (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ)[النمل:39]، أي سيحضره في غضون ساعات
فقال الذي عنده علم من الكتاب لسليمان: (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)[النمل:40]، أي في غضون ثواني قليلة ، فلما رأى سليمان العرش مستقرًا عنده لم يفرح بقدرته أو قدرة أعوانه وجنوده، ولكنه قال: (هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ * قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ * فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ)[النمل:40، 41،42]، وهذا سؤال عصيب استخدمه سليمان لقياس معدل ذكاء ملكة سبأ، فالعرش عرشها به أمارات قد ألفتها وعرفتها ولا تستطيع أن تنكرها رغم تغيير بعض العلامات، ولكن كيف يجيء العرش من اليمن إلى بلاد الشام وقد تركته هناك في حماية جنودها وشعبها؟ فإن أجابت نعم هذا هو عرشي كانت الإجابة غير صحيحة. لأن عرشها في اليمن وليس في القدس عند سليمان. وإن قالت لا كان ذكاؤها ضعيفًا أو محدودًا لأنها تفكر استنادًا لأفكار في رأسها دون أن تطرح هذه الأفكار 
للمناقشة مع هذا الواقع الجديد. فأجابت إجابة تنم عن فطنة وحكمة واسعة لا تثبت ولا تنفي، فقالت: (كَأَنَّهُ هُوَ).

ورغم رجاحة عقلها، إلا أنها كانت تحيا في بيئة فاسدة كافرة مظلمة، وهذا يدل على أن ذوي الألباب حين يأتيهم ضوء الهدى والإيمان فإنهم سرعان ما يهتدون به في حياتهم وسلوكهم، والعقل في حاجة إلى هداية ربه وإرشاده حتى يعقل ويحسن التصرف

أبتسام الحكيمي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق