صفة الرجوع
إلى الله
قد
حفل القرآن الكريم بذِكر التوبة والاستغفار في آيات عديدة، وسور مختلفة، وبيان فضل
الله - سبحانه - في قَبول توبة التائبين، ومغفرة ذنوب المستغفرين. ومنذ بدأ
الخليقة قد أخطأ أبو البشر جميعًا آدم - عليه السلام - فعصى أمر ربه، بإغواءٍ من
الشيطان الرجيم، ثم تاب وأناب، فاجتباه الله - تعالى - وتاب عليه.وهذا هو شأن كل
البشر، يذنبون ساعة الغفلة والغواية، ثم يجدون باب رحمة الله أمامهم مفتوحًا لقبول
توبتهم، فيستغفرون ويتوبون، فيَقبل الله - تعالى - منهم تلك التوبةَ؛ ليكبت
الشيطان، ويرحم الإنسان.
ولم
يخلوا أي بشر مخلوق من الابتلاء حتى الأنبياء ونحن بصدد التكلم عن صفة الرجوع الى
الله عند النبي الأواب سليمان عليه السلام وقبل أن نستأنف في هذا الموضوع نوجز
بشكل مبسط قصة هذ النبي العظيم فسليمان عليه السلام هو ابن النبي داود عليه السلام
كان على نهج ابيه، نبي أتاه الله الملك والعلم والحكمة وعلمه منطق الطير
والحيوانات وسخر له الرياح والجن،
وكان له قصة مع الهدهد حيث أخبره أن هناك مملكة
باليمن يعبد أهلها الشمس من دون الله فبعث سليمان إلى ملكة سبأ يطلب منها الإيمان
ولكنها أرسلت له الهدايا فطلب من الجن أن يأتوا بعرشها فلما جاءت وجدت عرشها آمنت
بالله، لكن رغم كل هذه النعم العظيمة والمنح الخاصة، فقد فتن الله تعالى سليمان
عليه السلام و اختبره وامتحنه،
والفتنة امتحان دائم، وكلما كان العبد عظيما كان
امتحانه عظيما. وقد أشار القران الكريم إلى الفتنة التي تعرض لها سليمان –عليه
السلام– بقوله تعالى " وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ
كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ﴿٣٤﴾ واختلف
المفسرون في فتنة سليمان عليه السلام واشهرها انه ابتلي بمرض شديد حار فيه أطباء
الإنس والجن فتقبل ذلك الاختبار بصبر وعاد إلى الله منيباً إليه تائبا مستغفرا،
ورجع إلى ربه : قال تعالى في سورة ص: ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ
وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي
وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ
الْوَهَّابُ ﴾ ووصفه الله انه سريع الرجوع إلى الله وأثنى عليه فقال تعالى ﴿ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ
سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾.
فالنبي
سليمان كان كثير الرجوع الى الله رغم علمه بانه نبي ومآله الجنة فأين نحن من اخلاق
هذا النبي العظيم ؟
فالإنسان
أحياناً يقول: بالشهر أصلّي صلاة مُتْقنة، من سنتين بكيت مرة، وهناك إنسان يبكي
بالأسبوع مرات عديدة، وإنسان يبكي باليوم مرات عديدة، فكلما كثرت إنابتك إلى الله
علا مقامك عند الله، وكلما كثر خشوعك في صلاتك ارتقيت مرتبة هذه العبادة، فهذا
النبي الكريم سليمان الحكيم لم يغتر بملكه وبالنعم التي آتاه الله بل تضرع لله
ورجع اليه بالتوبة والاستغفار لذلك فلنتبع منهج الأنبياء ونقتدي بهم فهم خير قدوة
لنا فما من عبد من البشر إلا وله ذنب، فكلنا ذلك المذنب، وكلنا ذلك المقصر، وكلنا
ذلك المفرط، ولكن أين التوابون؟! أين الرجاعون؟! أين النادمون الأوابون؟! فلنعلم
جميعاً أن لنا ربًا غفورًا رحيمًا يتعرض لعباده بعظيم النفحات وجزيل الأعطيات،
ويحب التوابين، أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي موسى الأشعري قال -صلى الله عليه
وسلم-: "إن الله -عز وجل-، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده
بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها".
ألا فلنبادر الأنفاس بالتوبة من جميع الأرجاس،
ولنستقبل أيامنا بالتوبة العظيمة إلى الملك الديان، اللهم هيئ لنا أسباب التوبة
والندامة، واجعلنا فيها من الصادقين.
بيان عبد الحليم قابة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق